
لعل ما يميز حقبة ما بعد الاستقلال في الوطن العربي سيادة الأنظمة غير الديمقراطية، أين باءت كل محاولات التحديث السياسي بالفشل، فهيمن رأي الزعيم السياسي على الجميع، وانتهكت حرية التعبير وغابت إرادة الشعوب مع استعمال الآليات الديمقراطية بشكل سطحي وبراغماتي يضمن استمرار الدكتاتورية في ظل هذا المناخ غير الديمقراطي، عمدت الدولة في السياق العربي إلى التضييق على كل محاولات الحوار بين المعارضين، باعتبار أن مصلحتها تكمن في الصراع بينها وليس التوافق والتفاهم، وإذا تم الأخذ بالمقاربة المزدوجة للمجال العمومي المنشغلة بدراسة أشكال إشهار الحياة الاجتماعية وتنظيم النقاش العام، أي بالمجال العمومي باعتباره الإطار الوسائطي الذي يتيح تمثيل الحياة الاجتماعية والسياسية وقضاياها وأحداثها وشخصياتها، والذي يحتضن أشكالا خاصة من النقاش والتداول في الشأن العام، يمكن افتراض أن المجال العمومي اشتغل في العالم العربي حسب النماذج التالية :
وقد برز المجتمع الجماهيري نتيجة زيادة تعقيدات المجتمع وتحوله من زراعي إلى صناعي منتجا ماديا وفكريا وثقافيا ذا استهلاك واسع، فأصبح المجتمع أكثر حركية اقتصاديا لأنه مصنع وموزع للسلع، واتصاليا لنمو حاجة الأفراد للتعرف على هذه المنتجات من جهة، والتعرف على ما يحدث من تغيرات من حولهم في جميع ميادين الحياة الاجتماعية والسياسية من جهة أخرى.
وأصبح الفضاء العمومي الاتصالي المميز للمجتمع الجماهيري فضاء منتجا ومروجا لثقافة مدمرة للقيم والمنفعة العامة لتواجده بين أيدي من يسعون لتحقيق المنفعة الخاصة، هؤلاء احتكروا وسيطروا على «الفضاء العمومي الاتصالي» بتقديم محتويات إعلامية تجارية بالدرجة الأولى، وهي بمثابة امتدادا للأبحاث التي كانت تنصب على فضح هيمنة البرجوازية على الإعلام ومحتوياته.
هل يصوت المهاجرون غير الشرعيين في الانتخابات الرئاسية الأمريكية ؟
يحتل مفهوم المواطنة مكانة مهمة في العلوم السياسية لاقترانه الوثيق بقضايا حيوية عديدة من قبيل الدولة، الفضاء العمومي، والديمقراطية والقانون والهوية الفردية وحقوق الأقليات. الأمر الذي جعله غير مستقرا وفي تغير دائم، فبمجرد ما يتم الاتفاق والتوافق على تعريف للمواطنة، حتى تظهر في الحياة السياسية والاقتصادية تغيرات تمتد آثارها إلى المفاهيم القريبة منه وتنعكس عليه، الأمر الذي يتطلب معالجة ومراجعته وفق ما يتناسب مع التغيرات الجديدة في الساحة السياسية، ولعل أبرز ما طال الإنسان المعاصر من انقلاب في نظام كينونته وشرط وجوده في العالم، هو التقدم العلمي والثورة التقنية، فأصبحنا نتحدث عن فضاء فوق موضعي عوض فضاء عمومي موضعي، ومواطنة عالمية وعابرة للحدود القومية.
وهذا يعني إلزامية النظر نحو التحول الذي طال الفضاء العمومي من معانيه المحددة والعامة، إلى منطقه الافتراضي الجديد الذي يحكمه على أساس أنه يحتمل الوجهين معا كما في إشارات هابرماس الذي كان من السباقين إلى طرح فكرة إلزامية التعامل مع الفضاء العمومي باعتباره حمالا لوجهين وجامع لمعنيين، فهو يضم الفضاءات والأمكنة المعلومة بتلاقي الأفراد والأفكار والرؤى والتصورات والاهتمامات، ولكنه يرتبط أيضا بالفضاءات العنكبوتية الافتراضية التي لا يكون فيها النقاش وطرح الأفكار متخذا شكل "الأغورا" التقليدية.
يميل الفرد إلى التخاطب مع من يتفقون معه في الآراء أكثر من الذين يختلفون معه.
أما مدرسة شيكاغو ممثلة بريشارد سنات فتعتبر الفضاء العمومي هو ذلك المكان أين نجد الرموز تحت تصرف الأفراد الذين يقومون بترجمتها وتأويلها من أجل بناء علاقات تبادلية بينهم.
ومن يفعل ذلك يعرض نفسه للمساءلة القانونية. جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كاتبها فقط
ويشير كوليمان إلى وجود معنيين مزدوجين لمفهوم الديمقراطية الإلكترونية، حيث يهتم الأول باستخدام التكنولوجيات الجديدة من قبل المؤسسات الرسمية، ويعتمد على مجموعة من المؤشرات التي تقوم على أساس تجديد استراتيجيات التواصل من قبل الأحزاب السياسية والبرلمانات والحكومات، أما المعنى الثاني فهو عكس الأول إذ يؤكد على دور وأهمية المواطنين، ويعتبر مشاركتهم العامة وشعورهم بالرضى تجاه الخدمات الإدارية التي تقدمها الدولة وغيرها من المؤشرات الأخرى، كدليل على وجود مرحلة متقدمة نور الامارات في سبيل تحقيق الديمقراطية الإلكترونية.
يقوم كل فرد بمراقبة البيئة الاجتماعية وسلوكيات الآخرين، وعمل استطلاعات سريعة لمعرفة مدى التأييد أو المعارضة للرأي الذي يتبناه تجاه موضوع أو قضية ما.
فمفهوم الاعتراف بوصفه مبدأً مؤسسا للهوية، لا يقف على مستوى تحديدها كهوية "سليمة" أو "محتقرة" عن طريق "حضور" أو "غياب" هذا الاعتراف، بل إنه يكتمل في الحالة التي يتم فيها تحديد أركانه "الأخلاقية" و"السياسية" معا؛ رغم ما يمكن أن يقال على هذا الربط، من عودة محتملة للأطروحة الأرسطية التي سطرها في كتابي "السياسة" و"الأخلاق إلى نيقوماخوس" مثلا، في الجزء المرتبط بربط "السياسي والأخلاقي".
وتعبيرا عن جوهر هذه النقلة برزت مشروعات للساحة الفكرية والثقافية برهان تسليط الضوء على مسارات هذا الانقلاب، كما هو شأن مشروع تايلور ضمن مؤلفه "المتخيلات الاجتماعية الحديثة" المعاد تضمينه في مؤلف "عصر علماني" أو غيره من المشروعات الشبيهة، بما يثيره هذا المطلب من أهمية إعادة طرح إشكالات نراها وِجهَةً لهذه المشاركة من قبيل: كيفية تحديد ترابطات الفضاء العام في شكليه الموضعي وفوق الموضعي مع مفهوم المواطنة في الفكر المعاصر المعني بتدبير قلق الامارات الوجود والمعنى والانتماء، بما يقتضيه الأمر من استجابة للإشكالات التالية: كيف أدى التقدم التقني إلى بناء فضاء عمومي افتراضي عابر للهويات المجالية والمحلية والوطنية والقومية؟ وهل تكفي أطروحات نقد التقدم التقني لاسترجاع المعنى المتداول للمواطنة أم نحن ملزمون بإعادة ترتيب القول بما يقتضيه الأمر من تسليم بمشروعية هذا الفضاء الجديد المشكل باسم سلطة أمر الواقع؟ وهل يكون هذا الإقرار مدخلا للدعوة إلى نوع جديد من القول في الفكر السياسي المعاصر بما يستلزمه الأمر من إجبارية إعادة النظر في كل سندات الفكر السياسي المعاصر ومعه أسئلة الإنسان وتعالقاته الوجودية والفكرية؟
وقد حظيت نظرية دوامة الصمت باهتمام متجدد في ظل اتجاه الأفراد نحو وسائل الإعلام الجديدة، وبرز تشكيك الباحثين في إمكانية تطبيق دوامة الصمت في الفضاء الافتراضي، مع وجود اعتقاد بأن النظرية لم يعد لها حضور في بيئة الإعلام الجديد، وغير قابلة للتطبيق على أنشطة الاتصال في الفضاء الرقمي.
تكمن قوة الفكر السياسي الراهن في سلطة أحقية تدبيره للاستشكالات والمقولات المركزية للتداول المعاصر، كما هو الأمر في تدبير أسئلة المواطنة بما تتيحه من ممكنات الترابط والجوار مع جوهر القول السياسي في الدولة، الفضاء العمومي، الديمقراطية، القانون، الهوية، المعنى، ومعها باقي المطالب الملحة المعنية بتحدي مجاراة أسئلة الاعتراف والتعددية وحق الاختلاف، حين يجري الحديث مثلا عن مواطنة من درجة أولى وأخرى من درجة ثانية، ومعه أيضا إلحاحية تدبير هذا التعالق المفاهيمي وتشويشاته النظرية حين يجري التعامل مع "المواطنة" في سياقات أشمل تتلون دوما بأسئلة ومآزق ومستجدات الإنسان المعاصر وما يمسه جراء انقلابات نظام كينونته وشروط وجوده، المحكوم بواقعية التقدم العلمي والثورة التقنية، حتى أضحت المواطنة مجبرة على تطويع بنيتها التقليدية استجابة لشرط تشكل ما يجري تسميته بالمواطنة الفسيحة والسائلة، والمُنسكبة بوضوح ضمن "الفضاء العام فوق موضعي" باعتبارها مواطنة كونية ميزتها تجاوز الانعزالات الوطنية والقومية.